فَهَذَا الِاتِّحَادُ الَّذِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ هُوَ أَنَّ ذَاتَ أَحَدِهِمَا هِيَ بِعَيْنِهَا ذَاتُ الْآخَرِ وَلَا حَلَّتْ فِيهِ بَلْ هُوَ تَوَافُقُهُمَا وَاتِّحَادُهُمَا فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشُعَبِ ذَلِكَ: مِثْلَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْقُولًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ: فَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَبِّهِ تَعَالَى فِيمَا يُحِبُّهُ وَيُبْغِضُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُحِبُّهُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ: كَيْفَ تَكُونُ ذَاتُ أَحَدِهِمَا هِيَ الْأُخْرَى أَوْ حَالَّةٌ فِيهَا؟ . فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأُصُولَ مِنْ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ وَمِمَّا هُوَ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُوَافَقَتِهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ: تَبَيَّنَ لَك جَوَابُ مَسَائِلِ السَّائِلِ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَجِدُونَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - كَلِمَاتٌ مُشْتَبِهَةٌ مُجْمَلَةٌ - فَيَحْمِلُونَهَا عَلَى الْمَعَانِي الْفَاسِدَةِ كَمَا فَعَلَتْ النَّصَارَى فِيمَا نُقِلَ لَهُمْ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ فَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ وَيَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ.
فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الرَّبَّ وَالْعَبْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ: كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ عَبْدٍ مَخْلُوقٍ؛ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ عِبَادَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ فَهَؤُلَاءِ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَيُوَافِقُونَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَأْمُرُ بِهِ؛ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ. وَلَمَّا رَضُوا مَا يَرْضَى وَسَخِطُوا مَا يَسْخَطُ: كَانَ الْحَقُّ يَرْضَى لِرِضَاهُمْ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ؛ إذْ ذَلِكَ مُتَلَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute