للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (*)

" الدَّعَاوَى " الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا وُلَاةُ الْأُمُورِ سَوَاءٌ سُمُّوا قُضَاةً أَوْ وُلَاةً أَوْ تَسَمَّى بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وُلَاةَ الْأَحْدَاثِ أَوْ وُلَاةَ الْمَظَالِمِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ؛ فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ. وَعَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْأُمَّةِ أَوْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} فَالدَّعَاوَى " قِسْمَانِ ": دَعْوَى تُهْمَةٍ وَغَيْرِ تُهْمَةٍ. فَدَعْوَى التُّهْمَةِ أَنْ يَدَّعِيَ فِعْلًا يَحْرُمُ عَلَى الْمَطْلُوبِ يُوجِبُ عُقُوبَتَهُ؛ مِثْلَ قَتْلٍ؛ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢٤٧ - ٢٤٩)
وهنا أمور:
الأول: أن هذه الفتوى ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه (الطرق الحكمية) ص ٩٣ - ١٠٨.
والثاني: أن كلام شيخ الإسلام رحمه الله هذا كان جواباً على سؤال، والسؤال لم يذكر في (الفتاوى)، وهو مذكور في (الطرق الحكمية) ص ٩٣ حيث قال ابن القيم رحمه الله:
(ورأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه في ذلك جوابا وسؤالا:
هل السياسة بالضرب والحبس للمتهمين في الدعاوي وغيرها من الشرع أم لا؟ وإذا كانت من الشرع فمن يستحق ذلك؟ ومن لا يستحقه؟ وما قدر الضرب ومدة الحبس؟.
فأجاب الدعاوي التي يحكم فيها ولاة الأمور سواء سموا قضاة أو ولاة. . .).
والثالث: أن هناك بعض السقط والتصحيف يتضح عند المقارنة، ومن أهم ذلك:
١ - ٣٥/ ٣٩١ (وابن عباس [هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه قضي باليمين على المدعى عليه "، وهو] الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضي باليمين مع الشاهد ")، وما بين المعقوفتين ساقط من الفتاوى، وهو في (الطرق) ص ٩٥.
٢ - ٣٥/ ٣٩٥ (وتارة رجل وامرأتين)، وهو خطأ، والصواب: (وتارة يكون رجلا وامرأتين) كما في (الطرق) ص ٩٦.
٣ - ٣٥/ ٤٠٠ (توهموا أن مجرد الشرع لا [يقوم] بسياسة العالم)، وما بين المعقوفتين ساقط من الفتاوى، وهو في (الطرق) ص ١٠٤.
٤ - ٣٥/ ٤٠٥: ذكر الشيخ رحمه الله ثلاثة أقوال في مقدار التعزير أولها قوله:
(أحدها وهو أحسنها وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما: أنه لا يبلغ في التعزير في كل جريمة الحد المقدر فيها، وإن زاد على حد مقدر في غيرها. . .)، وذكر ابن القيم رحمه الله في (الطرق) ص ١٠٧ أربعة أقوال: أولها - وهو الرابع الذي ليس في الفتاوى - وهو قوله: (أنه بحسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، فيجتهد فيه ولي الأمر).
والمقصود: أنه قال في (الفتاوى) و (الطرق) بعد ذكر هذه الأقوال: (وعلى القول الأول: هل يجوز أن يبلغ بها القتل، مثل قتل الجاسوس المسلم،. . .).
فالإشارة في (الفتاوى) تكون إلى مذهب من قال (لا يبلغ التعزير في كل جريمة الحد المقدر فيها).
والإشارة في (الطرق) تكون إلى مذهب من قال (أنه بحسب المصلحة).
والذي يترجح أن الصواب ما في (الطرق الحكمية)، وأنه قد حصل سقط في (الفتاوى) - والله أعلم -، لأن قوله (وعلى القول الأول: هل يجوز أن يبلغ بها القتل) يدل على أنه تعزير لم يقيد بقيد، فإن القول الأول المذكور في الفتاوى مقيد بعدم بلوغ التعزير في كل جريمة الحد المقدر فيها، فهذا السؤال لا يرد على هذا المذهب، وإنما يرد على مذهب من جعله بحسب المصلحة، والله تعالى أعلم.