وَإِذَا خَرَجَ وُلَاةُ الْأُمُورِ عَنْ هَذَا فَقَدْ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَوَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَّا وَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ} وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ تَغْيِيرِ الدُّوَلِ كَمَا قَدْ جَرَى مِثْلُ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِ زَمَانِنَا وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ سَعَادَتَهُ جَعَلَهُ يَعْتَبِرُ بِمَا أَصَابَ غَيْرَهُ فَيَسْلُكُ مَسْلَكَ مَنْ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَنَصَرَهُ وَيَجْتَنِبُ مَسْلَكَ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ وَأَهَانَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} {الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} فَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ بِنَصْرِ مَنْ يَنْصُرُهُ وَنَصْرُهُ هُوَ نَصْرُ كِتَابِهِ وَدِينِهِ وَرَسُولِهِ؛ لَا نَصْرُ مَنْ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ دَيِّنًا لَكِنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لَكِنَّهُ حَكَمَ بِخِلَافِ الْحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِذَا حَكَمَ بِلَا عَدْلٍ وَلَا عِلْمٍ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَهَذَا إذَا حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِشَخْصِ. وَأَمَّا إذَا حَكَمَ حُكْمًا عَامًّا فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلَ الْحَقَّ بَاطِلًا وَالْبَاطِلَ حَقًّا وَالسُّنَّةَ بِدْعَةً وَالْبِدْعَةَ سُنَّةً وَالْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا وَنَهَى عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَأَمَرَ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ: فَهَذَا لَوْنٌ آخَرُ. يَحْكُمُ فِيهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَإِلَهُ الْمُرْسَلِينَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute