للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالسَّمْعِ وَلَا بِالْعَقْلِ. وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَصَنَّفُوا كُتُبًا فِي رَدِّ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَلَكِنَّ عُذْرَ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيمَا عَلِمَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَلَاسِفَةِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ طُرُقًا عَقْلِيَّةً غَيْرَ ذَلِكَ فَنَفَى أَنْ يَعْلَمَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ فِيهِ. وَأَمَّا الطُّرُقُ الْخَبَرِيَّةُ النَّبَوِيَّةُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَا صَحَّ مِنْ أَلْفَاظِ الرَّسُولِ وَبِطَرِيقِ دَلَالَةِ أَلْفَاظِهِ عَلَى مَقَاصِدِهِ وَظَنَّ - بِمَا شَارَكَ بِهِ بَعْضَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ - أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنْ مُرَادَهُ بِأَلْفَاظِهِ فَتَرَكَّبَ مِنْ هَذَا وَهَذَا سَدُّ بَابِ الطَّرِيقِ الْعَقْلِيِّ وَالسَّمْعِيِّ وَظَنَّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْصُلُ لَا بِطْرِيقَ التَّصْفِيَةِ وَالْعَمَلِ فَسَلَكَ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَقْصُودُ أَيْضًا فَرَجَعَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ إلَى قِرَاءَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَقْوَالًا فِي كَوْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ المازري قَبْلَهُ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيَّ - قِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ: قَصَصٌ وَأَحْكَامٌ؛ وَأَوْصَافُ اللَّهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ. و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ الصِّفَاتِ فَكَانَتْ ثُلُثًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ قَالَ: وَرُبَّمَا أَسْعَدَ هَذَا التَّأْوِيلُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ. قُلْت: هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ - وَهُوَ الَّذِي نَصَرْنَاهُ - ذَكَرَهُ المازري فِي كَلَامِ ابْنِ بَطَّالٍ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ: وَقِيلَ مَعْنَى ثُلُثِ الْقُرْآنِ لِشَخْصِ