فَصْلٌ:
وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّك تَعْلَمُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا غَابَ عَنَّا إلَّا بِمَعْرِفَةِ مَا شَهِدْنَاهُ فَنَحْنُ نَعْرِفُ أَشْيَاءَ بِحِسِّنَا الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ وَتِلْكَ مَعْرِفَةٌ مُعَيَّنَةٌ مَخْصُوصَةٌ ثُمَّ إنَّا بِعُقُولِنَا نَعْتَبِرُ الْغَائِبَ بِالشَّاهِدِ فَيَبْقَى فِي أَذْهَانِنَا قَضَايَا عَامَّةٌ كُلِّيَّةٌ ثُمَّ إذَا خُوطِبْنَا بِوَصْفِ مَا غَابَ عَنَّا لَمْ نَفْهَمْ مَا قِيلَ لَنَا إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْمَشْهُودِ لَنَا. فَلَوْلَا أَنَّا نَشْهَدُ مِنْ أَنْفُسِنَا جُوعًا وَعَطَشًا وَشِبَعًا وَرِيًّا وَحُبًّا وَبُغْضًا وَلَذَّةً وَأَلَمًا وَرِضًى وَسُخْطًا لَمْ نَعْرِفْ حَقِيقَةَ مَا نُخَاطَبُ بِهِ إذَا وُصِفَ لَنَا ذَلِكَ وَأُخْبِرْنَا بِهِ عَنْ غَيْرِنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ نَعْلَمْ مَا فِي الشَّاهِدِ: حَيَاةً وَقُدْرَةً وَعِلْمًا وَكَلَامًا لَمْ نَفْهَمْ مَا نُخَاطَبُ بِهِ إذَا وُصِفَ الْغَائِبُ عَنَّا بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ نَشْهَدْ مَوْجُودًا لَمْ نَعْرِفْ وُجُودَ الْغَائِبِ عَنَّا فَلَا بُدَّ فِيمَا شَهِدْنَاهُ وَمَا غَابَ عَنَّا مِنْ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ هُوَ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ. فَبِهَذِهِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُشَارَكَةِ وَالْمُشَابَهَةِ وَالْمُوَاطَأَةِ نَفْهَمُ الْغَائِبَ وَنُثْبِتُهُ وَهَذَا خَاصَّةُ الْعَقْلِ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ نَعْلَمْ إلَّا مَا نُحِسُّهُ وَلَمْ نَعْلَمْ أُمُورًا عَامَّةً وَلَا أُمُورًا غَائِبَةً عَنْ إحْسَاسِنَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَلِهَذَا مَنْ لَمْ يُحِسَّ الشَّيْءَ وَلَا نَظِيرَهُ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute