للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَجِبُ أَنْ تُقَدَّرَ فِيهَا ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّنَا لَوْ قَدَّرْنَا وُجُودَ الْفِعْلِ فِيمَا لَمْ يَزَلْ أَفْضَى إلَى قِدَمِ الْعَالَمِ فَأَمَّا الْكَلَامُ فَهُوَ كَالْعِلْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: قَوْلُ أَحْمَدَ: لَمْ يَزَلْ غَفُورًا بَيَانٌ أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ قَدِيمَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مُشْتَقَّةً مِنْ فِعْلٍ كَالْغُفْرَانِ وَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَقَّةً. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ: مَعْنَاهُ إذَا شَاءَ أَنْ يَسْمَعَهُ. قُلْت وَطَرِيقَةُ الْقَاضِي هَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِهِمْ وَغَيْرِهِمْ: كَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِي. وَأَمَّا أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَيْضًا فَيُخَالِفُونَهُ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُونَ فِي الْفِعْلِ أَحَدَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ لِلْقَاضِي الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا - أَمَّا أَنَّ الْفِعْلَ قَدِيمٌ وَالْمَفْعُولُ مَخْلُوقٌ؛ كَمَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْإِرَادَةِ وَالْقَوْلِ الْمُكَوَّنِ: أَيْ الْإِرَادَةُ قَدِيمَةٌ وَالْمُرَادُ مُحْدَثٌ وَكَمَا أَنَّ الْمُنَازِعَ يَقُولُ: التَّكْوِينُ قَدِيمٌ فَالْمُكَوَّنُ مَخْلُوقٌ. (وَالثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ نَفْسَهُ عِنْدَهُمْ - كَالْقَوْلِ كِلَاهُمَا - غَيْرُ مَخْلُوقٍ مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ؛ إذْ هُوَ قَائِمٌ بِاَللَّهِ وَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ إلَّا مُنْفَصِلًا عَنْ اللَّهِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ