هِيَ الْأَصْلُ لِيَعْتَبِرَ بِهَا وَالْحِسُّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ صَاحِبِهِ عَقْلٌ وَإِلَّا فَقَدْ يَغْلَطُ. وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: غَلِطَ الْحِسُّ وَالْغَلَطُ تَارَةً مِنْ الْحِسِّ وَتَارَةً مِنْ صَاحِبِهِ؛ فَإِنَّ الْحِسَّ يَرَى أَمْرًا مُعَيَّنًا فَيَظُنُّ صَاحِبُهُ فِيهِ شَيْئًا آخَرَ فَيُؤْتَى مِنْ ظَنِّهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ. وَلِهَذَا النَّائِمُ يَرَى شَيْئًا وَتِلْكَ الْأُمُورُ لَهَا وُجُودٌ وَتَحْقِيقٌ؛ وَلَكِنْ هِيَ خَيَالَاتٌ وَأَمْثِلَةٌ؛ فَلَمَّا عَزَبَ ظَنَّهَا الرَّائِي نَفْسَ الْحَقَائِقِ كَاَلَّذِي يَرَى نَفْسَهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ يُكَلِّمُ أَمْوَاتًا وَيُكَلِّمُونَهُ وَيَفْعَلُ أُمُورًا كَثِيرَةً وَهُوَ فِي النَّوْمِ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ نَفْسَهُ الَّذِي يَقُولُ وَيَفْعَلُ لِأَنَّ عَقْلَهُ عَزَبَ عَنْهُ وَتِلْكَ الصُّورَةُ الَّتِي رَآهَا مِثَالُ صُورَتِهِ وَخَيَالُهَا؛ لَكِنْ غَابَ عَقْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمِثَالَ هُوَ نَفْسُهُ فَلَمَّا ثَابَ إلَيْهِ عَقْلُهُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ خَيَالَاتٌ ومثالات، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَغِيبُ عَقْلُهُ بَلْ يَعْلَمُ فِي الْمَنَامِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ وَهَذَا كَاَلَّذِي يَرَى صُورَتَهُ فِي الْمِرْآةِ أَوْ صُورَةَ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ ظَنَّ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ هِيَ الشَّخْصُ حَتَّى أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ مَا يَفْعَلُ بِالشَّخْصِ. وَهَذَا يَقَعُ لِلصِّبْيَانِ وَالْبُلْهِ كَمَا يُخَيَّلُ لِأَحَدِهِمْ فِي الضَّوْءِ شَخْصٌ يَتَحَرَّكُ وَيَصْعَدُ وَيَنْزِلُ فَيَظُنُّونَهُ شَخْصًا حَقِيقَةً وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَيَالٌ فَالْحِسُّ إذَا أَحَسَّ حِسًّا صَحِيحًا لَمْ يَغْلَطْ لَكِنْ مَعَهُ عَقْلٌ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ هَذَا الْعَيْنِ وَالْمِثَالِ؛ فَإِنَّ الْعَقْلَ قَدْ عَقَلَ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute