للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ:

إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: كُلُّ مَا قَامَ دَلِيلُ الْعَقْلِ عَلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّجْسِيمِ كَانَ مُتَشَابِهًا جَوَابٌ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ النِّزَاعُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِفَاعُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ وَالزَّائِغِ وَالْقَوِيمِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ نَافٍ يَنْفِي شَيْئًا مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ إلَّا وَهُوَ يَزْعُمُ: أَنَّهُ قَدْ قَامَ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْعَقْلِ عَلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّجْسِيمِ فَيَكُونُ مُتَشَابِهًا فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مُتَشَابِهَاتٍ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ التَّعْطِيلُ الْمَحْضُ وَأَنْ لَا يُفْهَمَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَفَاتِهِ مَعْنًى وَلَا يُمَيَّزَ بَيْنَ مَعْنَى الْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالرَّحِيمِ وَالْجَبَّارِ وَالسَّلَامِ وَلَا بَيْنَ مَعْنَى الْخَلْقِ وَالِاسْتِوَاءِ وَبَيْنَ الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَلَا بَيْنَ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَبَيْنَ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ. بَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ نَفَى الصِّفَاتِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ يَقُولُونَ؛ إذَا قُلْتُمْ؛ إنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا وَقُدْرَةً وَإِرَادَةً فَقَدْ قُلْتُمْ بِالتَّجْسِيمِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ دَلِيلُ الْعَقْلِ عَلَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّجْسِيمِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مَعَانِيَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا: لَا تَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهَا سَوَاءٌ سُمِّيَتْ صِفَاتًا أَوْ أَعْرَاضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.