مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَلَيْسَ بِفَرْضِ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ. وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَمَّا أَسْقَطَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَائِضِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنِ؛ بَلْ يَجْبُرُهُ دَمٌ. وَكَذَلِكَ الْمَبِيتُ بِمِنَى لَمَّا أَسْقَطَهُ عَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضِ؛ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ يَجْبُرُهُ دَمٌ. وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ لَمَّا جَوَّزَ فِيهِ لِلرُّعَاةِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ التَّأْخِيرَ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِفَرْضِ. وَكَذَلِكَ لَمَّا رَخَّصَ لِلضَّعَفَةِ أَنْ يُفِيضُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بمزدلفة بَعْدَ الْفَجْرِ لَيْسَ بِفَرْضِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ يَجْبُرُهُ الدَّمُ. فَهَذَا حُجَّةٌ لِهَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كالطَّحَاوِي وَغَيْرِهِ. فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا فِي الطَّوَافِ وَشَرْطًا فِيهِ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِدَمِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ مَا أُوجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ إنَّمَا هُوَ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ لَا يَجْبُرُ بِدَمِ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ سَقَطَتْ مَعَ الْعَجْزِ كَمَا سَقَطَ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مَعَ الْعَجْزِ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَكَمَا يُبَاحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute