للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُحِسَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا كَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ رَأَوْا الْمَلَائِكَةَ وَسَمِعُوا كَلَامَهُمْ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ - وَهُوَ أَنْ كُلَّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ - هِيَ الَّتِي سَلَكَهَا أَئِمَّةُ النُّظَّارِ: كَابْنِ كُلَّابٍ وَغَيْرِهِ وَسَلَكَهَا ابْنُ الزَّاغُونِي وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يَجُوزُ رُؤْيَتُهُ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُحِسَّ بِسَائِرِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ كَمَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيُّ وَمُوَافِقُوهُ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِمَا فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ بَلْ يَقُولُونَ فَسَادُهَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.

وَكَذَلِكَ نِزَاعُهُمْ فِي رُوحِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: هِيَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ عَرَضًا مِنْ أَعْرَاضِ الْبَدَنِ كَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَالْهَوَاءِ الْخَارِجِ مِنْهُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ زَعَمُوا أَنَّهَا عَرَضٌ قَائِمٌ بِالْبَدَنِ أَوْ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلِقَوْلِ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَمُخَالِفٌ لِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ. وَهَذَا مِمَّا اسْتَطَالَ بِهِ الْفَلَاسِفَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ عَرَضٌ مِنْ الْأَعْرَاضِ