للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعِبَادَاتِ وَلَا فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا. فَالْقُرْبُ مِنْ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْمَسْجِدُ خُصَّ بِالْفَضِيلَةِ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وُجُودِ الْقَبْرِ فَلَمْ تَكُنْ فَضِيلَةُ مَسْجِدِهِ لِذَلِكَ وَلَا اسْتَحَبَّ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ أَنْ يُجَاوِرَ أَحَدٌ عِنْدَ قَبْرٍ وَلَا يَعْكُفَ عَلَيْهِ لَا قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ وَلَا قَبْرِ غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَقْصِدَ السُّكْنَى قَرِيبًا مِنْ قَبْرٍ أَيَّ قَبْرٍ كَانَ. وَسُكْنَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ هُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ تَتَكَرَّرُ طَاعَتُهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهَا أَكْثَرُ. كَمَا كَانَ الْأَمْرُ لَمَّا كَانَ النَّاس مَأْمُورِينَ بِالْهِجْرَةِ إلَيْهَا. فَكَانَتْ الْهِجْرَةُ إلَيْهَا وَالْمُقَامُ بِهَا أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الْبِقَاعِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا. بَلْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ. فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ} وَكَانَ مَنْ أَتَى مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ لِيُهَاجِرَ وَيَسْكُنَ الْمَدِينَةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَدِينَتِهِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِسُكْنَاهَا. كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْمُرُ النَّاسَ عَقِبَ الْحَجِّ أَنْ يَذْهَبُوا إلَى بِلَادِهِمْ لِئَلَّا يُضَيِّقُوا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ. وَكَانَ يَأْمُرُ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَقْتَ الْهِجْرَةِ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى أَمَاكِنَ أُخَرَ لِوِلَايَةِ مَكَانٍ وَغَيْرِهِ وَكَانَتْ طَاعَةُ الرَّسُولِ بِالسَّفَرِ إلَى غَيْرِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنْ الْمُقَامِ عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ حِينَ كَانَتْ دَارَ الْهِجْرَةِ فَكَيْفَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ؟