فَيُقَالُ: أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ هُمْ مَحْدُودُونَ بِالشَّرْعِ أَوْ هُمْ مَنْ يَنْصُرُهُ وَيُعِينُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ. فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ الْأَقَارِبِ؛ فَإِنَّهُمْ الْعَاقِلَةُ عَلَى عَهْدِهِ. وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي جَعَلَ الْعَاقِلَةَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَنْ يَنْصُرُ الرَّجُلَ وَيُعِينُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يَنْصُرُهُ وَيُعِينُهُ أَقَارِبُهُ كَانُوا هُمْ الْعَاقِلَةَ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيوَانٌ وَلَا عَطَاءٌ فَلَمَّا وَضَعَ عُمَرُ الدِّيوَانَ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ جُنْدَ كُلِّ مَدِينَةٍ يَنْصُرُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيُعِينُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَقَارِبَ فَكَانُوا هُمْ الْعَاقِلَةَ. وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ: وَإِلَّا فَرَجُلٌ قَدْ سَكَنَ بِالْمَغْرِبِ وَهُنَاكَ مِنْ يَنْصُرُهُ وَيُعِينُهُ كَيْفَ تَكُونُ عَاقِلَتُهُ مَنْ بِالْمَشْرِقِ فِي مَمْلَكَةٍ أُخْرَى وَلَعَلَّ أَخْبَارُهُ قَدْ انْقَطَعَتْ عَنْهُمْ؟ وَالْمِيرَاثُ يُمْكِنُ حِفْظُهُ لِلْغَائِبِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قَضَى فِي الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ أَنَّ عَقْلَهَا عَلَى عَصَبَتِهَا؛ وَأَنَّ مِيرَاثَهَا لِزَوْجِهَا وَبَنِيهَا} فَالْوَارِثُ غَيْرُ الْعَاقِلَةِ. وَكَذَلِكَ تَأْجِيلُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَجِّلْهَا بَلْ قَضَى بِهَا حَالَّةً وَعُمَرُ أَجَّلَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ. فَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ لَا تَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلَةً. كَمَا قَضَى بِهِ عُمَرُ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لَا تَكُونُ إلَّا حَالَّةً. وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَعْجِيلَهَا وَتَأْجِيلَهَا بِحَسَبِ الْحَالِ وَالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانُوا مَيَاسِيرَ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي التَّعْجِيلِ أُخِذَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute