للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الضَّرُورِيَّاتُ مِنْ الْقُلُوبِ السَّلِيمَةِ وَالْعُقُولِ الْمُسْتَقِيمَةِ: الَّتِي لَمْ تَمْرَضْ بِمَا تَقَلَّدَتْهُ مِنْ الْعَقَائِدِ وَتَعَوَّدَتْهُ مِنْ الْمَقَاصِدِ.

وَالْمُثْبِتَةُ يَقُولُونَ: مَنْ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ الْنُّفَاةِ - مِنْ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ السَّلِيمَةِ الْفِطَرِ - عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ فَسَادُهُ؛ وَكُلَّمَا كَانَ أَذْكَى وَاحِدٍ ذِهْنًا كَانَ عِلْمُهُ بِفَسَادِهِ أَشَدَّ؛ بَلْ هُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْعِلْمَ بِالْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَطْلُوبَ إثْبَاتُهَا " وَهُوَ عُلُوُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَالَمِ " مَعْلُومٌ بِالْفِطْرَةِ وَالضَّرُورَةِ وَيَعْلَمُونَ بُطْلَانَ نَقِيضِهَا بِالْفِطْرَةِ وَالضَّرُورَةِ؛ فَيَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ الْقَضِيَّةَ الْعَامَّةَ وَالْقَضِيَّةَ الْخَاصَّةَ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْخَالِقَ فَوْقَ الْعَالَمِ وَيَعْلَمُونَ امْتِنَاعَ وُجُودِ مَوْجُودَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا مُبَايِنًا لِلْآخَرِ وَلَا مُدَاخِلًا لَهُ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُبَايِنًا كَانَ مُدَاخِلًا محايثا فَيُلْزَمُ الْحُلُولُ وَالِاتِّحَادُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأُمَمِ مِنْ بَنِي آدَمَ أَمَّا مَنْ يُثْبِتُ الْعُلُوَّ وَالْمُبَايَنَةَ فَقَوْلُهُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِالْعُلُوِّ وَالْمُبَايَنَةِ فَجُمْهُورُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ضِدَّ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَوْ عُرِضَ عَلَيْهِمْ نَفْيُ هَذَا وَهَذَا لَمْ يَتَصَوَّرُوهُ وَلَمْ يَعْقِلُوهُ وَبِهَذَا احْتَجَّ أَهْلُ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ - مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ - كَالصَّدْرِ القونوي وَأَمْثَالِهِ عَلَى نفاة ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَالَ: قَدْ سَلَّمْتُمْ لَنَا أَنَّهُ لَيْسَ خَارِجَ الْعَالَمِ وَلَا مُبَايِنًا لَهُ؛ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُعْقَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْمُمْكِنَاتِ أَوْ فِي وُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ؛ إذْ لَا يُعْقَلُ إلَّا هَذَا؛ أَوْ هَذَا. ثُمَّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ يَقُولُونَ: هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَإِنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَشْيَاءِ فَرْقُ مَا بَيْنَ