مَصْلَحَةٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ لَا عَاجِلَةٌ وَلَا آجِلَةٌ كَانَ عَابِثًا وَلَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا عَلَى هَذَا وَأَنْتُمْ عَلَّلْتُمْ أَفْعَالَهُ فِرَارًا مِنْ الْعَبَثِ فَوَقَعْتُمْ فِي الْعَبَثِ؛ فَإِنَّ الْعَبَثَ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ وَلَا فَائِدَةٌ تَعُودُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَحَدًا بِالْإِحْسَانِ إلَى غَيْرِهِ وَنَفْعِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَّا لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَأَمْرُ الْفَاعِلِ بِفِعْلِ لَا يَعُودُ إلَيْهِ مِنْهُ لَذَّةٌ وَلَا سُرُورٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ وَلَا فَرَحٌ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ لَا فِي الْعَاجِلِ وَلَا فِي الْآجِلِ لَا يُسْتَحْسَنُ مِنْ الْآمِرِ.
وَنَشَأَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي " مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ " فَأَثْبَتَ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَوْا ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ وَنَفَى ذَلِكَ الْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَاتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ إذَا فُسِّرَا بِكَوْنِ الْفِعْلِ نَافِعًا لِلْفَاعِلِ مُلَائِمًا لَهُ وَكَوْنِهِ ضَارًّا لِلْفَاعِلِ مُنَافِرًا لَهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَقْلِ كَمَا يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ وَظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ الْمَعْلُومَ بِالشَّرْعِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَنَدَبَ إلَيْهَا هِيَ نَافِعَةٌ لِفَاعِلِيهَا وَمَصْلَحَةٌ لَهُمْ. وَجَمِيعُ الْأَفْعَالِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا هِيَ ضَارَّةٌ لِفَاعِلِيهَا وَمَفْسَدَةٌ فِي حَقِّهِمْ وَالْحَمْدُ وَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى طَاعَةِ الشَّارِعِ نَافِعٌ لِلْفَاعِلِ وَمَصْلَحَةٌ لَهُ وَالذَّمُّ وَالْعِقَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ضَارٌّ لِلْفَاعِلِ وَمَفْسَدَةٌ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute