للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} فَوَصَفَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَنَّهُمْ أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِأَنْدَادِهِمْ. وَفِي الْآيَةِ " قَوْلَانِ ": قِيلَ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْهُمْ لِأَوْثَانِهِمْ. وَقِيلَ: يُحِبُّونَهُمْ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْهُمْ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ وَالْأَوَّلُ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُحِبُّونَ الْأَنْدَادَ مِثْلَ مَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ وَتَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ وَالْإِرَادَةُ التَّامَّةُ مَعَ الْقُدْرَةِ تَسْتَلْزِمُ الْفِعْلَ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُحِبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛ مُرِيدًا لِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إرَادَةً جَازِمَةً مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَفْعَلُهُ فَإِذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْإِنْسَانُ بِالْإِيمَانِ مَعَ قُدْرَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ خَطَأُ قَوْلِ " جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ " وَمَنْ اتَّبَعَهُ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَعِلْمِهِ لَمْ يَجْعَلُوا أَعْمَالَ الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُؤْمِنًا كَامِلَ الْإِيمَانِ بِقَلْبِهِ وَهُوَ مَعَ هَذَا يَسُبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُعَادِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُعَادِي أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيُوَالِي أَعْدَاءَ اللَّهِ وَيَقْتُلُ الْأَنْبِيَاءَ وَيَهْدِمُ الْمَسَاجِدَ وَيُهِينُ الْمَصَاحِفَ وَيُكْرِمُ الْكُفَّارَ غَايَةَ الْكَرَامَةِ وَيُهِينُ الْمُؤْمِنِينَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ قَالُوا: وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعَاصٍ لَا تُنَافِي الْإِيمَانَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ بَلْ يَفْعَلُ هَذَا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ قَالُوا: وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامُ الْكُفَّارِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَمَارَةٌ عَلَى الْكُفْرِ لِيُحْكَمَ بِالظَّاهِرِ كَمَا يُحْكَمُ