لِأَنَّ الثَّوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ وَتِلْكَ الْأُمُورُ إذَا قَصَدَ تَرْكَهَا لِلَّهِ أُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِقَلْبِهِ قَصْدُ تَرْكِهَا لَمْ يُثَبْ وَلَمْ يُعَاقَبْ وَلَوْ كَانَ نَاوِيًا تَرْكَهَا لِلَّهِ وَفَعَلَهُ نَاسِيًا لَمْ يَقْدَحْ نِسْيَانُهُ فِي أَجْرِهِ بَلْ يُثَابُ عَلَى قَصْدِ تَرْكِهَا لِلَّهِ وَإِنْ فَعَلَهَا نَاسِيًا كَذَلِكَ الصَّوْمُ فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ النَّاسِي لَا يُضَافُ إلَيْهِ بَلْ فَعَلَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ} فَأَضَافَ إطْعَامَهُ وَإِسْقَاءَهُ إلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْهُ وَمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى اللَّهِ لَا يُنْهَى عَنْهُ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْ فِعْلِهِ وَالْأَفْعَالُ الَّتِي لَيْسَتْ اخْتِيَارِيَّةً لَا تَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ فَفِعْلُ النَّاسِي كَفِعْلِ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّائِمَ إذَا احْتَلَمَ فِي مَنَامِهِ لَمْ يُفْطِرْ؛ وَلَوْ اسْتَمْنَى بِاخْتِيَارِهِ أَفْطَرَ وَلَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ وَلَوْ اسْتَدْعَى الْقَيْءَ أَفْطَرَ. فَلَوْ كَانَ مَا يُوجَدُ بِغَيْرِ قَصْدِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يُوجَدُ بِقَصْدِهِ لَأَفْطَرَ بِهَذَا وَهَذَا. فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُخْطِئُ يُفْطِرُ مِثْلَ مَنْ يَأْكُلُ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طَلَعَ الْفَجْرُ؛ أَوْ يَأْكُلُ يَظُنُّ غُرُوبَ الشَّمْسِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute