وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَ " الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّ الْقَلْبَ هُوَ الْأَصْلُ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ فَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَقَصْدِهِ وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إنَّمَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ بِقَصْدِ الْقَلْبِ وَأَمَّا ثُبُوتُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَضَمَانِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إذَا أَتْلَفَهَا مَجْنُونٌ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مُخْطِئٌ أَوْ نَاسٍ فَهَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْلِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ. فَالْمَأْمُورُ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا " نَوْعَانِ " نَوْعٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَارِحِ وَنَوْعٌ بَاطِنٌ فِي الْقَلْبِ. " النَّوْعُ الثَّانِي " مَا يَكُونُ بَاطِنًا فِي الْقَلْبِ كَالْإِخْلَاصِ وَحَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَكَنَفْسِ إيمَانِ الْقَلْبِ وَتَصْدِيقِهِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ فَهَذَا النَّوْعُ تَعَلُّقُهُ بِالْقَلْبِ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ مَحَلُّهُ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ أَصْلُ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ الْأَوَّلِ فَنَفْسُ إيمَانِ الْقَلْبِ وَحُبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ ظَاهِرًا إلَّا بِهَا وَإِلَّا فَلَوْ عَمِلَ أَعْمَالًا ظَاهِرَةً بِدُونِ هَذِهِ كَانَ مُنَافِقًا وَهِيَ فِي أَنْفُسِهَا تُوجِبُ لِصَاحِبِهَا أَعْمَالًا ظَاهِرَةً تُوَافِقُهَا وَهِيَ أَشْرَفُ مِنْ فُرُوعِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute