للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ تَشْتَهِيهَا النَّفْسُ وَفِيهَا الْحَدُّ؛ بِخِلَافِ الْبَنْجِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ؛ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَهَى كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِيهَا التَّعْزِيرُ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهَا إلَّا قَوْلًا نُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ فَهَذَا فِيمَنْ زَالَ عَقْلُهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا قَاصِدًا لِمَا يَقُولُهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ مِثْلُ كُفْرِهِ وَإِيمَانِهِ وَطَلَاقِهِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ. قَالُوا: فَمَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُكْرَهِ كَالْبَيْعِ؛ بَلْ يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ لَهُ وَمَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْمُكْرَهِ. وَالْجُمْهُورُ يُنَازِعُونَ فِي هَذَا الْفَرْقِ: فِي ثُبُوتِ الْوَصْفِ وَفِي تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ؛ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: النِّكَاحُ وَنَحْوُهُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ عِنْد الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد حَتَّى إنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ يَحْكُمُونَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ يَفْسَخُونَ الْعِتْقَ وَيُعِيدُونَهُ عَبْدًا وَالْأَيْمَانُ الْمُنْعَقِدَةُ تَقْبَلُ التَّحِلَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} .