للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاَللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ هُوَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ - فَإِنَّهُ لَا يَصِفُ نَفْسَهُ بِصِفَةِ مَنْ قَامَتْ بِهِ تِلْكَ الْأَفْعَالُ؛ فَلَا يُسَمِّي نَفْسَهُ مُصَلِّيًا وَلَا صَائِمًا وَلَا آكِلًا وَلَا شَارِبًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " مَا ثَمَّ غَيْرٌ " إذَا أَرَادَ بِهِ مَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الْوَحْدَةِ أَيْ مَا ثَمَّ غَيْرٌ مَوْجُودٌ سِوَى اللَّهِ: فَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرٌ لَمْ يَقُلْ: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} وَلَمْ يَقُلْ {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُرُونَهُ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ اللَّهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} وَلَمْ يَقُلْ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} وَلَمْ يَقُلْ الْخَلِيلُ {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ} {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} وَلَمْ يَقُلْ: {إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} {إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُعَادِ رَبَّهُ وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ رَبِّهِ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْآلِهَةُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ الْأَقْدَمُونَ غَيْرَ اللَّهِ: لَكَانَ إبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْ اللَّهِ وَعَادَى اللَّهَ وَحَاشَا إبْرَاهِيمَ مِنْ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ وَيَقُولُونَ: الْقُرْآنُ هُوَ اللَّهُ أَوْ غَيْرُ اللَّهِ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: غَيْرُ اللَّهِ. قَالُوا: فَغَيْرُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ. وَفِي آخِرِ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ: مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ غَيْرُ اللَّهِ أَوْ يَقُولُونَ الْعَالَمُ لَا هُوَ اللَّهُ وَلَا هُوَ غَيْرُهُ. وَيَقُولُونَ: