للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ يَتَّفِقُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى بَعْضِ الطُّرُقِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْقِسْمَيْنِ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ دَلِيلٌ فِيهِمَا فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كَتَنَازُعِهِمْ فِي أَنَّ الْأَحْكَامَ الْعَمَلِيَّةَ مِنْ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَالْوُجُوبِ وَالْحَظْرِ هَلْ تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ كَمَا تُعْلَمُ بِالسَّمْعِ أَمْ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِالسَّمْعِ؟ وَأَنَّ السَّمْعَ هَلْ هُوَ مَنْشَأُ الْأَحْكَامِ أَوْ مَظْهَرٌ لَهَا كَمَا هُوَ مَظْهَرٌ لِلْحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ بِنَفْسِهَا؟ وَكَذَلِكَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْكِبَارِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِثْلِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِمَا عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ السَّمْعَ لَا تَثْبُتُ بِهِ تِلْكَ الْمَسَائِلُ فَإِثْبَاتُهَا بِالْعَقْلِ (١) حَتَّى يَزْعُمَ كَثِيرٌ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْقُرْآنِ عَلَى حِكْمَةِ اللَّهِ وَعَدْلِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَتَزْعُمُ الْجَهْمِيَّة مِنْ هَؤُلَاءِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ بَعْضِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَأَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ. وَيَزْعُمُ قَوْمٌ مِنْ غَالِيَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ مُطْلَقًا؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ بِمَا زَعَمُوا. وَيَزْعُمُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَلَقَّاةِ بِالْقَبُولِ عَلَى مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُطْلَبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ.


(١) بالأصل سقط، ولعل ما أثبت هنا هو المقصود