للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَذَلِكَ كَانَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ ثَلَاثًا وَبَعْدَ الثَّلَاثِ يَسْقِيهِ أَوْ يُرِيقُهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مَظِنَّةُ سُكْرِهِ؛ بَلْ كَانَ أَمَرَ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ. فَهَذَا كُلُّهُ. . . (١) سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ لَمَّا كَانَتْ تَشْتَهِي ذَلِكَ وَفِي اقْتِنَائِهَا - وَلَوْ لِلتَّخْلِيلِ - مَا قَدْ يُفْضِي إلَى شُرْبِهَا كَمَا أَنَّ شُرْبَ قَلِيلِهَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ. فَهَذَا " الْمَيْسِرُ " الْمَقْرُون " بِالْخَمْرِ " إذَا قُدِّرَ أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ وَتَرْكِ الْمَنْفَعَةِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ الْمَلَاعِبَ تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ وَإِذَا قَوِيَتْ الرَّغْبَةُ فِيهَا أُدْخِلَ فِيهَا الْعِوَضُ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَكَانَ مِنْ حُكْمِ الشَّارِعِ أَنْ يَنْهَى عَمَّا يَدْعُو إلَى ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُغَالِبَاتُ الَّتِي قَدْ تَنْفَعُ: مِثْلَ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُصَارَعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ تِلْكَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ رَاجِحَةٌ لِتَقْوِيَةِ الْأَبْدَانِ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ النُّفُوسِ بِالِاكْتِسَابِ بِهَا. وَهَذَا الْمَعْنَى نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {مَنْ لَعِبَ بالنردشير فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ} فَإِنَّ الْغَامِسَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ يَدْعُوهُ إلَى أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَذَلِكَ مُقَدِّمَةُ أَكْلِهِ وَسَبَبُهُ وَدَاعِيَتُهُ فَإِذَا حُرِّمَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ اللَّعِبُ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةُ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَسَبَبُهُ وَدَاعِيَتُهُ.


(١) بياض بأحد الأصلين