وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ؟ فَوَصَفَ الْأَرْبَعَةَ بِأَنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ وَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا ثُمَّ خَصَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ بِأَنَّهُ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ. وَيُهَدِّدُ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} كَمَا عَلَّقَ الْفَلَاحَ بِالِاجْتِنَابِ فِي قَوْلِهِ: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وَلِهَذَا يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ " الْخَمْرَ " لَمَّا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهَا حَرُمَ مُقَارَبَتُهَا بِوَجْهِ فَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا وَلَا شُرْبُ قَلِيلِهَا بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَشَقِّ ظُرُوفِهَا وَكَسْرِ دِنَانِهَا وَنَهَى عَنْ تَخْلِيلِهَا وَإِنْ كَانَتْ لِيَتَامَى. مَعَ أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لَهُمْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ الَّذِي هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَمْرِ شَيْءٌ مُحْتَرَمٌ؛ لَا خَمْرَةَ الْخِلَالِ وَلَا غَيْرَهَا وَأَنَّهُ مَنْ اتَّخَذَ خَلًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْسِدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَخَمَّرَ: بِأَنْ يَصُبَّ فِي الْعَصِيرِ خَلًّا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ تَخْمِيرَهُ؛ بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ} لِئَلَّا يَقْوَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَيُفْضِي إلَى أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ الْمُسْكِرَ مَنْ لَا يَدْرِي. وَنَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الَّتِي يَدِبُّ السُّكَّرُ فِيهَا وَلَا يَدْرِي مَا بِهِ كَالدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالظَّرْفِ الْمُزَفَّتِ وَالْمَنْقُورِ مِنْ الْخَشَبِ. وَأَمَرَ بِالِانْتِبَاذِ فِي السِّقَاءِ الْمُوكَى لِأَنَّ السُّكَّرَ يُنْظَرُ: إذَا كَانَ فِي الشَّرَابِ انْشَقَّ الظَّرْفُ؛ وَإِنْ كَانَ فِي نَسْخِ ذَلِكَ أَوْ بَعْضِهِ نِزَاعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهِ. فَالْمَقْصُودُ سَدُّ الذَّرَائِعِ الْمُفْضِيَةِ إلَى ذَلِكَ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute