وَهَذَا لَيْسَ بِحَقِّ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ جَمْعُهُ لِأَجْلِ السَّفَرِ لَجَمَعَ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ وَبَعْدَهُ. وَقَدْ أَقَامَ بِمِنَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَجْمَعْ فِيهَا لَا سِيَّمَا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ جَمَعَ فِي السَّفَرِ وَهُوَ نَازِلٌ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا كَانَ يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَإِنَّمَا جَمَعَ لِنَحْوِ الْوُقُوفِ لِأَجْلِ أَلَّا يَفْصِلَ بَيْنَ الْوُقُوفِ بِصَلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا. كَمَا قَالَ أَحْمَد: إنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ ذَلِكَ مِنْ الشُّغْلِ الْمَانِعِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّلَوَاتِ. وَمَنْ اشْتَرَطَ فِي هَذَا الْجَمْعِ السَّفَرَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ أُصُولِهِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. فَإِنَّ أَحْمَد يُجَوِّزُ الْجَمْعَ لِأُمُورِ كَثِيرَةٍ غَيْرِ السَّفَرِ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ - تَفْسِيرًا لِقَوْلِ أَحْمَد: إنَّهُ يَجْمَعُ لِكُلِّ مَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ - فَالْجَمْعُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ السَّفَرِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ. وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: إنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ: لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ عِنْدَهُمْ طَرْدًا لِلْقِيَاسِ وَاعْتِقَادًا أَنَّ الْقَصْرَ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِلسَّفَرِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ حَتَّى أَمَرَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمَوْسِمَ لَا يُقِيمُهُ أَمِيرُ مَكَّةَ؛ لِأَجْلِ قَصْرِ الصَّلَاةِ. وَذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ - مِنْهُمْ مَالِكٍ وَطَائِفَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute