بِالْبَنَانِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ أَرْبَعُ وجودات: وُجُودٌ عَيْنِيٌّ وَعِلْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ وَرَسْمِيٌّ. وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ وَوُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ وَاللِّسَانِ وَالْبَنَانِ؛ لَكِنَّ الْوُجُودَ الْعَيْنِيَّ هُوَ وُجُودُ الْمَوْجُودَاتِ فِي أَنْفُسِهَا وَاَللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَمَّا الذِّهْنِيُّ الجناني فَهُوَ الْعِلْمُ بِهَا الَّذِي فِي الْقُلُوبِ وَالْعِبَارَةُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ اللِّسَانِيُّ وَكِتَابَةُ ذَلِكَ هُوَ الرَّسْمِيُّ الْبَنَانِيُّ وَتَعْلِيمُ الْخَطِّ يَسْتَلْزِمُ تَعْلِيمَ الْعَبَّارَةِ وَاللَّفْظِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَعْلِيمَ الْعِلْمِ فَقَالَ: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} لِأَنَّ التَّعْلِيمَ بِالْقَلَمِ يَسْتَلْزِمُ الْمَرَاتِبَ الثَّلَاثَ وَأَطْلَقَ التَّعْلِيمَ ثُمَّ خَصَّ فَقَالَ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} . وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي وُجُودِ كُلِّ شَيْءٍ هَلْ هُوَ عَيْنُ مَاهِيَّتِه أَمْ لَا؟ وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبُيِّنَ أَنَّ الصَّوَابَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالْوُجُودِ مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْأَعْيَانِ وَبِالْمَاهِيَّةِ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَذْهَانِ فَعَلَى هَذَا فَوُجُودُ الْمَوْجُودَاتِ الثَّابِتُ فِي الْأَعْيَانِ لَيْسَ هُوَ مَاهِيَّتَهَا الْمُتَصَوَّرَةَ فِي الْأَذْهَانِ؛ لَكِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَوْجُودَ الثَّابِتَ فِي الْأَعْيَانِ وَعَلِمَ الْمَاهِيَّاتِ الْمُتَصَوِّرَةَ فِي الْأَذْهَانِ كَمَا أَنْزَلَ بَيَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةٍ أَنْزَلَهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَقَدْ يُرَادُ بِالْوُجُودِ وَالْمَاهِيَّةِ كِلَاهُمَا: مَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْأَعْيَانِ وَمَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْأَذْهَانِ فَإِذَا أُرِيدَ بِهَذَا وَهَذَا مَا هُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ مَا هُوَ مُتَصَوَّرٌ فِي الْأَذْهَانِ فَلَيْسَ هُمَا فِي الْأَعْيَانِ اثْنَانِ؛ بَلْ هَذَا هُوَ هَذَا. وَكَذَلِكَ الذِّهْنُ إذَا تَصَوَّرَ شَيْئًا فَتِلْكَ الصُّورَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute