وَأَمَّا اشْتِبَاهُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ فَإِنَّمَا نَشَأَ فِيهِ النِّزَاعُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالطَّهُورِ وَاجِبَةٌ؛ وَبِالنَّجِسِ حَرَامٌ فَقَدْ اشْتَبَهَ وَاجِبٌ بِحَرَامِ. وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا التَّحَرِّيَ قَالُوا: اسْتِعْمَالُ النَّجِسِ حَرَامٌ. وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الطَّهُورِ فَإِنَّمَا يَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ؛ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا؛ وَلِهَذَا تَنَازَعُوا: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُعْدَمَ الطَّهُورُ بِخَلْطٍ أَوْ إِرَاقَةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ؛ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ كَالْعَجْزِ. وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ التَّحَرِّيَ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِمَا الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ اسْتَعْمَلَ مَا أَصْلُهُ طَاهِرٌ وَقَدْ شَكَّ فِي تَنَجُّسِهِ فَيَبْقَى الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ. وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُ قَالُوا: مَا صَارَ نَجِسًا بِالتَّغَيُّرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَجِسِ الْأَصْلِ؛ وَقَدْ زَالَ الِاسْتِصْحَابُ بِيَقِينِ النَّجَاسَةِ كَمَا لَوْ حَرُمَتْ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِرِضَاعِ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكُونُ مُحَرَّمَةَ الْأَصْلِ عِنْدَهُ وَمَسْأَلَةُ اشْتِبَاهِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ ذَاتُ فُرُوعٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَأَمَّا إذَا اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ وَقُلْنَا: يَتَحَرَّى؛ أَوْ لَا يَتَحَرَّى: فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَى بَدَنِ الْإِنْسَانِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ طَعَامِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِي نَجَاسَتِهِ وَنَحْنُ مُنِعْنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. فَأَمَّا تَنَجُّسُ مَا أَصَابَهُ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ نَعَمْ لَوْ أَصَابَا ثَوْبَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ أَصَابَا بَدَنَيْنِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute