شُعُورِ صَاحِبِهَا بِأَنَّهَا قَامَتْ بِهِ. فَوُجُودُ الشَّيْءِ فِي الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ غَيْرُ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِهِ. وَهَذَا كَصِفَاتِ بَدَنِهِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَا يَرَاهُ كَوَجْهِهِ وَقَفَاهُ. وَمِنْهَا مَا يَرَاهُ إذَا تَعَمَّدَ النَّظَرَ إلَيْهِ كَبَطْنِهِ وَفَخِذِهِ وَعَضُدَيْهِ. وَقَدْ يَكُونُ بِهِمَا آثَارٌ مِنْ خِيلَانٍ وَغَيْرِ خِيلَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ وَهُوَ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ لَكِنَّ لَوْ تَعَمَّدَ رُؤْيَتَهُ لَرَآهُ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ ذَلِكَ لِعَارِضِ عَرَضَ لِبَصَرِهِ مِنْ العشى أَوْ الْعَمَى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. كَذَلِكَ صِفَاتُ نَفْسِهِ قَدْ يَعْرِفُ بَعْضَهَا وَبَعْضُهَا لَا يَعْرِفُهُ. لَكِنَّ لَوْ تَعَمَّدَ تَأَمُّلَ حَالِ نَفْسِهِ لَعَرَفَهُ. وَمِنْهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ وَلَوْ تَأَمَّلَ لِفَسَادِ بَصِيرَتِهِ وَمَا عَرَضَ لَهَا. وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا بِإِرَادَةِ تَقُومُ بِنَفْسِ الْإِنْسَانِ. وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَهُ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَلْبَسُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَهُ. فَالْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إرَادَةٍ. وَإِذَا تَصَوَّرَ الْفِعْلَ الَّذِي يَفْعَلُهُ وَقَدْ فَعَلَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لَهُ وَقَدْ تَصَوَّرَهُ. وَإِذَا كَانَ مُرِيدًا لَهُ وَقَدْ تَصَوَّرَهُ امْتَنَعَ أَنْ لَا يُرِيدَ مَا تَصَوَّرَهُ وَفَعَلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute