هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَ صِدْقَ الْمُبَلِّغِ جَازَ أَنْ يَعْلَمَ بِخَبَرِهِ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَنَالُونَ عِلْمَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَةِ خَبَرِ الشَّارِعِ وَقَدْ أَحْسَنُوا فِي ذَلِكَ حَيْثُ آمَنُوا بِهِ؛ لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ وَاقِعٌ مُطْلَقًا؟ . وَقَدْ ذَهَبَ خَلَائِقُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى وُقُوعِ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ الشَّارِعُ أُمُورًا قَدْ تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ لَمْ يَذْكُرْ دَلَالَتَهُ الْعَقْلِيَّةَ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ وُجُوهَ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنْ جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ وَظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ قَدْ يَقُولُ: إنَّ الشَّارِعَ نَبَّهَ فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ عِلْمُهُ بِالْعَقْلِ عَلَى دَلَالَةٍ عَقْلِيَّةٍ كَمَا قَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ الْكِبَارِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ. فَصَارَتْ الْعُلُومُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ: إمَّا أَنْ تُعْلَمَ بِالشَّرْعِ فَقَطْ وَهُوَ مَا يُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِ الشَّرْعِ مِمَّا لَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إلَيْهِ بِحَالِ لَكِنَّ هَذِهِ الْعُلُومَ قَدْ تُعْلَمُ بِخَبَرٍ آخَرَ غَيْرَ خَبَرِ شَارِعِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِمَّا أَنْ تُعْلَمَ بِالْعَقْلِ فَقَطْ؛ كَمَرْوِيَّاتِ الطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالصِّنَاعَاتِ. وَإِمَّا أَنْ تُعْلَمَ بِهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ قَدْ هَدَى إلَى دَلَالَتِهَا كَمَا أَخْبَرَ بِهَا أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهِيَ عَقْلِيَّاتُ الشَّرْعِيَّاتِ؛ أَوْ عَقْلِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute