للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَأْمُورِ أَوْ فِعْلِ الْمَحْظُورِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذَا وَافَقُوا الْجَمَاعَةَ بِخِلَافِ الْجَهْمِيَّة وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: بَلْ يُعَذِّبُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي نَفْيِ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ الْعَقْلِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ أَيْضًا فِي نَفْيِ الْعَذَابِ مُطْلَقًا إلَّا بَعْدَ إرْسَالِ الرُّسُلِ؛ وَهُمْ يُجَوِّزُونَ التَّعْذِيبَ قَبْلَ إرْسَالِ الرُّسُلِ. فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: يُعَذِّبُ مَنْ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِ رَسُولًا لِأَنَّهُ فَعَلَ الْقَبَائِحَ الْعَقْلِيَّةَ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: بَلْ يُعَذِّبُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ قَبِيحًا قَطُّ كَالْأَطْفَالِ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إنْ أَنْتُمْ إلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ أَنَّهُ كُلَّمَا أُلْقِيَ فَوْجٌ سَأَلَهُمْ الْخَزَنَةُ: هَلْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ؟ فَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ قَدْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ فَلَمْ يَبْقَ فَوْجٌ يَدْخُلُ النَّارَ إلَّا وَقَدْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ. وَقَالَ: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} أَيْ: هَذَا بِهَذَا السَّبَبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ مَنْ كَانَ غَافِلًا مَا لَمْ يَأْتِهِ