للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَيَنْهَى عَمَّا هُوَ مُنْكَرٌ وَيُحِلُّ مَا هُوَ طَيِّبٌ وَيُحَرِّمُ مَا هُوَ خَبِيثٌ. وَلَوْ كَانَ الْمَعْرُوفُ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا الْمَأْمُورُ بِهِ وَالْمُنْكَرُ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا حُرِّمَ لَكَانَ هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: يَأْمُرُهُمْ بِمَا يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا يَنْهَاهُمْ وَيُحِلُّ لَهُمْ مَا أَحَلَّ لَهُمْ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا كَلَامٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَفْضِيلٌ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَمَرَ بِأَمْرِ يُوصَفُ بِذَلِكَ وَكُلُّ نَبِيٍّ بُعِثَ فَهَذِهِ حَالُهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} فَعُلِمَ أَنَّ الطَّيِّبَ وَصْفٌ لِلْعَيْنِ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ يُحَرِّمُهَا مَعَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لِلْعِبَادِ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الطَّيِّبِ هُوَ مَا أُحِلَّ كَانَ الْكَلَامُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. فَعُلِمَ أَنَّ الطَّيِّبَ وَالْخَبِيثَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْأَعْيَانِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ الْتِذَاذِ الْأَكْلِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْتَذُّ بِمَا يَضُرُّهُ مِنْ السُّمُومِ وَمَا يَحْمِيهِ الطَّبِيبُ مِنْهُ وَلَا الْمُرَادُ بِهِ الْتِذَاذَ طَائِفَةٍ مِنْ الْأُمَمِ كَالْعَرَبِ وَلَا كَوْنُ الْعَرَبِ تَعَوَّدَتْهُ؛ فَإِنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ أُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ تَعَوَّدَتْ أَكْلَهُ وَطَابَ لَهَا أَوْ كَرِهَتْهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي بِلَادِهَا