للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهَا أَفْضَلَ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطُّرُقِ إلَى مَكَّةَ فَكُلُّ أَهْلِ نَاحِيَةٍ يَحُجُّونَ مِنْ طَرِيقِهِمْ وَلَيْسَ اخْتِيَارُهُمْ لِطَرِيقِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ بِحَيْثُ يَكُونُ حَجُّهُمْ أَفْضَلَ مِنْ حَجِّ غَيْرِهِمْ بَلْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ يَسْلُكُونَهَا فَسَلَكُوا هَذِهِ إمَّا لِيُسْرِهَا عَلَيْهِمْ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ سَوَاءً. فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْوُجُوهِ الْمَشْرُوعَةِ لِفَضْلِهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ مُخْتَارِهِ وَبَيْنَ كَوْنِ اخْتِيَارِ وَاحِدٍ مِنْهَا ضَرُورِيًّا. وَالْمُرَجَّحُ لَهُ عِنْدَهُ سُهُولَتُهُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالسَّلَفُ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقْرَأُ وَيُصَلِّي وَيَدْعُو وَيَذْكُرُ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ وَأَخَذَ ذَلِكَ الْوَجْهَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُ بُقْعَتِهِ وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْوُجُوهُ سَوَاءً وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا أَفْضَلَ فَجَاءَ فِي الْخَلَفِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ اخْتِيَارَهُ لِمَا اخْتَارَهُ لِفَضْلِهِ فَجَاءَ الْآخَرُ فَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ أَهْوَاءٌ مُرْدِيَةٌ مُضِلَّةٌ فَقَدْ يَكُونُ النَّوْعَانِ سَوَاءً عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَتَرَى كُلُّ طَائِفَةٍ طَرِيقَهَا أَفْضَلَ وَتُحِبُّ مَنْ يُوَافِقُهَا عَلَى ذَلِكَ وَتُعْرِضُ عَمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْآخَرَ فَيُفَضِّلُونَ مَا سَوَّى اللَّهُ بَيْنَهُ وَيُسَوُّونَ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَهَذَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الْأُمَّةِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَيْنِ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَمَا قَرَّرْت مِثْلَ ذَلِكَ فِي " الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ " حَيْثُ قَالَ: {اقْرَؤُوا كَمَا عَلِمْتُمْ} .