وَالْعَمَلُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ السُّؤَالِ مِنْ اسْتِدْلَالِ بَعْضِ النَّاسِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ حَسَنٌ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ إذَا صَارَ عَزْمًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ يَعْمَلْ يُؤَاخَذُ بِهِ لَكَانَ خِلَافَ النَّصِّ لَكِنْ يُقَالُ: هَذَا فِي الْمَأْمُورِ صَاحِبِ الْمَقْدِرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْكَلَامُ وَالْعَمَلُ إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَعْمَلْ وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْمَأْتِيُّ فِيهَا بِالْمَقْدُورِ فَتَجْرِي مَجْرَى الَّتِي أَتَى مَعَهَا بِكَمَالِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ الْأَخْرَسِ لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَلَامِ وَقَدْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْعَمَلِ بِالْيَدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لَكِنَّهُ إذَا أَتَى بِمَبْلَغِ طَاقَتِهِ مِنْ الْإِشَارَةِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْأَحْكَامِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْآخَرُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ وَهُوَ أَنَّ الْعَزْمَ وَالْهَمَّ دَاخِلٌ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مُطْلَقًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ إذَا قِيلَ: إنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِوُجُودِ فِعْلٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الذَّمُّ وَالْعِقَابُ وَغَيْرُ ذَلِكَ يَصِحُّ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ إنْ كَانَ مَقْدُورًا مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَجَبَ وُجُودُهُ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا فَلَا بُدَّ مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ أَصْلًا فَهُوَ هَمٌّ. وَحَدِيثُ النَّفْسِ لَيْسَ إرَادَةً جَازِمَةً وَلِهَذَا لَمْ يَجِئْ فِي النُّصُوصِ الْعَفْوُ عَنْ مُسَمَّى الْإِرَادَةِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَالْعَجَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ إذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ حَيْثُ وَقَعَ عَلَيْهِمْ ذَمٌّ وَعِقَابٌ فَلِأَنَّهَا تَمَّتْ حَتَّى صَارَتْ قَوْلًا وَفِعْلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute