وَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي} الْحَدِيثُ حَقٌّ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْإِرَادَاتِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ حَقٌّ؛ وَلَكِنَّ طَائِفَة مِنْ النَّاسِ قَالُوا: إنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ ثُمَّ تَنَازَعُوا فِي الْعِقَابِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ تَبِعَهُ كَأَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ يَرَوْنَ الْعُقُوبَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُؤَاخَذُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَوْلٌ أَوْ عَمَلٌ. وَالْقَاضِي بَنَاهَا عَلَى أَصْلِهِ فِي " الْإِيمَانِ " الَّذِي اتَّبَعَ فِيهِ جَهْمًا وَالصَّالِحِيَّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَلَوْ كَذَّبَ بِلِسَانِهِ وَسَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِلِسَانِهِ وَإِنَّ سَبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إنَّمَا هُوَ كُفْرٌ فِي الظَّاهِرِ وَأَنَّ كُلَّمَا كَانَ كُفْرًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَهَذَا أَصْلٌ فَاسِدٌ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ حَتَّى إنَّ الْأَئِمَّةَ: كَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ كَفَّرُوا مَنْ قَالَ فِي " الْإِيمَانِ " بِهَذَا الْقَوْلِ؛ بِخِلَافِ الْمُرْجِئَةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا بَدَّعُوهُمْ.
وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي " الْإِيمَانِ " وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُودَ الْأَشْيَاءِ بِدُونِ لَوَازِمِهَا. فَيُقَدِّرُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute