للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَوْ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ وَلَا دَلَّ أَيْضًا عَلَيْهِ الْعَقْلُ. فَكَيْفَ يُنْفَى بِمِثْلِ ذَلِكَ مَا دَلَّ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ عَلَى ثُبُوتِهِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ كُلَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا مِنْ الصِّفَاتِ - لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ - لَزِمَهُ مَا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَهُ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْجَوَابُ مُشَارِكًا. وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ هَذَا لَازِمًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْمَلْزُومِ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَلْزُومَ مَوْجُودٌ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ بِحَالِ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ الِاسْتِدْلَالُ بِمِثْلِ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا أَحْدَثَتْهُ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةُ وَتَلَقَّاهُ عَنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: يَنْفِي عَنْ الرَّبِّ مَا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الرَّبِّ؛ مِثْلُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ النَّقَائِصَ الَّتِي يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهَا: كَالْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا تَنْزِيهٌ صَحِيحٌ؛ وَلَكِنْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّجْسِيمَ وَالتَّشْبِيهَ فَيُعَارَضُ بِمَا أَثْبَتَهُ؛ فَيَلْزَمُهُ التَّنَاقُضُ. وَمِنْ هُنَا دَخَلَتْ " الْمَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةُ " عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى رَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ خَلْقًا عَظِيمًا صَارُوا يَقُولُونَ لِمَنْ نَفَى شَيْئًا عَنْ الرَّبِّ - مِثْلُ مَنْ يَنْفِي بَعْضَ الصِّفَاتِ أَوْ جَمِيعَهَا أَوْ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى - أَلَمْ تَنْفِ هَذَا؟ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّشْبِيهُ وَالتَّجْسِيمُ فَيَقُولُ: بَلَى فَيَقُولُ: وَهَذَا اللَّازِمُ يَلْزَمُك فِيمَا أَثْبَتَّهُ؛ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى النَّفْيِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَمْرُهُ إلَى أَنْ لَا يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ؛ وَلَا يَذْكُرَهُ بِلِسَانِهِ وَلَا يَعْبُدَهُ وَلَا يَدْعُوَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجْزِمُ بِعَدَمِهِ بَلْ يُعَطِّلُ نَفْسَهُ عَنْ الْإِيمَانِ بِهِ وَقَدْ عُرِفَ تَنَاقُضُ هَؤُلَاءِ.