لَعْنُهُ لِمَنْ فَعَلَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عِنْدِي مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَأَنَا أَعْتَقِدُ خَطَأَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَدْ أَعْتَقِدُ خَطَأَ الْمُبِيحِ فَإِنَّ الْمَقَالَاتِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ. وَالثَّانِي: الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ وَلُحُوقِ الْوَعِيدِ. وَالثَّالِثُ: الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ الْخَالِي مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ. وَأَنَا قَدْ أَخْتَارُ هَذَا الْقَوْلَ الثَّالِثَ: لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ وَعَلَى تَحْرِيمِ لَعْنَةِ فَاعِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مَعَ اعْتِقَادِي أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي تَوَعُّدِ الْفَاعِلِ وَتَوَعُّدِ اللَّاعِنِ لَمْ يَشْمَلْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. فَيُقَالُ لِلسَّائِلِ: إنْ جَوَّزْت أَنْ تَكُونَ لَعْنَةُ هَذَا الْفَاعِلِ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ جَازَ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهَا بِالظَّاهِرِ الْمَنْصُوصِ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا أَمَانَ مِنْ إرَادَةِ مَحَلِّ الْخِلَافِ مِنْ حَدِيثِ الْوَعِيدِ وَالْمُقْتَضِي لِإِرَادَتِهِ قَائِمٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ وَإِنْ لَمْ تُجَوِّزْ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ كَانَ لَعْنُهُ مُحَرَّمًا تَحْرِيمًا قَطْعِيًّا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ لَعَنَ مُجْتَهِدًا لَعْنًا مُحَرَّمًا تَحْرِيمًا قَطْعِيًّا كَانَ دَاخِلًا فِي الْوَعِيدِ الْوَارِدِ لِلَّاعِنِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا كَمَنْ لَعَنَ بَعْضَ السَّلَفِ الصَّالِحِ فَثَبَتَ أَنَّ الدَّوْرَ لَازِمٌ سَوَاءٌ قَطَعْت بِتَحْرِيمِ لَعْنَةِ فَاعِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْ سَوَّغْت الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَذَلِكَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي ذَكَرْته لَا يَدْفَعُ الِاسْتِدْلَالَ بِنُصُوصِ الْوَعِيدِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَهَذَا بَيِّنٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute