وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ تَتَبُّعُهُ وَلَوْ اسْتَقْصَيْنَا فَضْلَ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَصِحَّةَ أُصُولِهِمْ لَطَالَ الْكَلَامُ. إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَلَا رَيْبَ عِنْدَ أَحَدٍ أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقْوَمُ النَّاسِ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رِوَايَةً وَرَأْيًا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ وَلَا بَعْدَهُ أَقْوَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَكَانَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - الْخَاصِّ مِنْهُمْ وَالْعَامِّ - مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ بِالْعِلْمِ أَدْنَى إلْمَامٍ وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ أَخْبَارَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فَبَلَغُوا أَلْفًا وسبعمائة أَوْ نَحْوَهَا وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّصَلَ إلَى الْخَطِيبِ حَدِيثُهُمْ بَعْدَ قَرِيبٍ مِنْ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ فَكَيْفَ بِمَنْ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ إلَيْهِ خَبَرُهُمْ فَإِنَّ الْخَطِيبَ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَعَصْرُهُ وَعَصْرُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِي وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ وَاحِدٌ وَمَالِكٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ أَبُو حَنِيفَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ أَكْثَرُ صَوَابًا بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ مُوَطَّأِ مَالِكٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَهَذَا لَا يُعَارِضُ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْقُرْآنِ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مَعَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute