وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ فَكَيْفَ قَدْ يَكُونُ رَوَى فِيهِ الْفَرْقَ؟ وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ إنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: {إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ وَفِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِنَجَاسَتِهِ كَوْنُ الْخَبَثِ فِيهِ مَحْمُولًا فَمَتَى كَانَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَحْمُولًا فَمَنْطُوقُ الْحَدِيثِ وَتَعْلِيلُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْقُلَّتَيْنِ بِالذِّكْرِ فَإِنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِأَرْضِ الْفَلَاةِ؛ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ؛ وَذَلِكَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ فِي الْعَادَةِ فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِيهِ خَبَثٌ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الْخَبَثَ وَقَدْ لَا يَحْمِلُهُ؛ فَإِنَّ الْكَثِيرَةَ تُعِينُ عَلَى إحَالَةِ الْخَبَثِ إلَى طَبْعِهِ؛ وَالْمَفْهُومُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُمُومُ فَلَيْسَ إذَا كَانَ الْقُلَّتَانِ لَا تَحْمِلُ الْخَبَثَ يَلْزَمُ أَنَّ مَا دُونَهَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ وَقَعَ جَوَابًا لِأُنَاسِ سَأَلُوهُ عَنْ مِيَاهٍ مُعَيَّنَةٍ؛ فَقَدْ يَكُونُ التَّخْصِيصُ لِأَنَّ هَذِهِ كَثِيرَةٌ لَا تَحْمِلُ الْخَبَثَ وَالْقُلَّتَانِ كَثِيرٌ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْكَثِيرُ إلَّا قُلَّتَيْنِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ هَذَا حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَذَكَرَهُ ابْتِدَاءً وَلِأَنَّ الْحُدُودَ الشَّرْعِيَّةَ تَكُونُ مَعْرُوفَةً كَنِصَابِ الذَّهَبِ وَالْمُعَشَّرَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْمَاءُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ إلَّا خَرْصًا؛ وَلَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ فِي الْعَادَةِ فَكَيْفَ يَفْصِلُ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute