الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ نَقُولَ: بَلْ الشَّارِعُ صَحَّحَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ {أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ} {وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ} وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ فَأَحَلَّ أَحَدَهُمَا وَحَرَّمَ الْآخَرَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَبْلَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَمَا يَشْتَرِي الْحِصْرِمَ لِيَقْطَعَ حِصْرِمًا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ إذَا بِيعَ عَلَى أَنَّهُ بَاقٍ؛ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ جَوَّزَهُ بَعْدَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى الْبَقَاءِ إلَى كَمَالِ الصَّلَاحِ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَمَنْ جَوَّزَ بَيْعَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ؛ وَنَهَى عَنْهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ مُطْلَقًا: لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لِظُهُورِ الصَّلَاحِ فَائِدَةٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَذِنَ فِيهِ. وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: مُوجَبُ الْعَقْدِ التَّسْلِيمُ عَقِيبَهُ فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ. فَيُقَالُ لَهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا مُوجِبُ الْعَقْدِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ بِالْعَقْدِ أَوْ مَا أَوْجَبَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَلَا الشَّارِعُ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ بَيْعٍ مُسْتَحِقٍّ التَّسْلِيمَ عَقِبَ الْعَقْدِ وَلَا الْعَاقِدَانِ الْتَزَمَا ذَلِكَ بَلْ تَارَةً يَعْقِدَانِ الْعَقْدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا إذَا بَاعَ مُعَيَّنًا بِدَيْنِ حَالٍّ وَتَارَةً يَشْتَرِطَانِ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute