للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ إلَّا مَالَهُ قَدَرَ كَثِيرٌ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَد لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ الثُّلُثِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا دُونَ السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ فَكَانَ إيجَابُهَا مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْمُحْتَاجِينَ كَبَنِي السَّبِيلِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَقَارِبِ الْمُحْتَاجِينَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أُصُولِ الشَّرَائِعِ الَّتِي بِهَا قِيَامُ مَصْلَحَةِ الْعَالَمِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَسَّمَ خَلْقَهُ إلَى غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ إلَّا بِسَدِّ خُلَّةِ الْفُقَرَاءِ وَحَرَّمَ الرِّبَا الَّذِي يَضُرُّ الْفُقَرَاءَ؛ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ مِنْ جِنْسِ النَّهْيِ عَنْ الرِّبَا؛ وَلِهَذَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وَفِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي آخِرِ الْبَقَرَةِ أَحْكَامَ الْأَمْوَالِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: عَدْلٌ؛ وَفَضْلٌ؛ وَظُلْمٌ؛ فَالْعَدْلُ: الْبَيْعُ؛ وَالظُّلْمُ: الرِّبَا؛ وَالْفَضْلُ: الصَّدَقَةُ. فَمَدَحَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَذَكَرَ ثَوَابَهُمْ وَذَمَّ الْمُرْبِينَ وَبَيَّنَ عِقَابَهُمْ وَأَبَاحَ الْبَيْعَ وَالتَّدَايُنَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى؛ فَالْعَقْلُ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْحُقُوقِ لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ كَحَقِّ الْمُسْلِمِ؛ وَحَقِّ ذِي الرَّحِمِ وَحَقِّ الْجَارِ؛ وَحَقِّ الْمَمْلُوكِ وَالزَّوْجَةِ.