اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَأَمَّا تَضْمِينُ اللَّبَنِ بِغَيْرِهِ وَتَقْدِيرِهِ بِالشَّرْعِ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ الْمَضْمُونَ اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ فَلِهَذَا قَدَّرَ الشَّارِعُ الْبَدَلَ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَقَدَّرَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْجِنْسِ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ فَيُفْضِي إلَى الرِّبَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْجِنْسِ فَإِنَّهُ كَأَنَّهُ ابْتَاعَ لِذَلِكَ اللَّبَنِ الَّذِي تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِالصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ وَالتَّمْرُ كَانَ طَعَامَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَكِيلٌ مَطْعُومٌ يُقْتَاتُ بِهِ كَمَا أَنَّ اللَّبَنَ مَكِيلٌ مُقْتَاتٌ وَهُوَ أَيْضًا يُقْتَاتُ بِهِ بِلَا صَنْعَةٍ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَاتُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةِ فَهُوَ أَقْرَبُ الْأَجْنَاسِ الَّتِي كَانُوا يَقْتَاتُونَ بِهَا إلَى اللَّبَنِ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ أَنَّ جَمِيعَ الْأَمْصَارِ يَضْمَنُونَ ذَلِكَ بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَقْتَاتُ التَّمْرَ فَهَذَا مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ كَأَمْرِهِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِصَاعِ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ أَمْرَهُ لِلْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِالْإِعَادَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقِفُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ تَقِفُ خَلْفَ الرِّجَالِ وَحْدَهَا كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ التَّقَدُّمُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُؤْتَمُّونَ يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ الِاصْطِفَافُ بِالِاتِّفَاقِ فَكَيْفَ يُشَبَّهُ هَذَا بِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute