قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ فِي أُمُورِ الْمِيَاهِ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا وَلَا مَشْرُوعًا بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ بَلْ الْمَشْرُوعُ أَنْ يُبْنَى الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى النَّجَاسَةِ نَجَّسْنَاهُ؛ وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْتَنَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا إذَا قَامَتْ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فَذَاكَ مَقَامٌ آخَرُ. وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ: أَنَّهُ مَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ يَتَوَضَّئُونَ وَيَغْتَسِلُونَ وَيَشْرَبُونَ مِنْ الْمِيَاهِ الَّتِي فِي الْآنِيَةِ وَالدِّلَاءِ الصِّغَارِ وَالْحِيَاضِ وَغَيْرِهَا مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ بَلْ كُلُّ احْتِمَالٍ لَا يَسْتَنِدُ إلَى أَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نَوْعَانِ: مُحَرَّمٌ لِوَصْفِهِ؛ وَمُحَرَّمٌ لِكَسْبِهِ. فَالْمُحَرَّمُ لِكَسْبِهِ كَالظُّلْمِ وَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ؛ وَالْمُحَرَّمُ لِوَصْفِهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ تَحْرِيمًا وَالتَّوَرُّعَ فِيهِ مَشْهُورٌ؛ وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَحْتَرِزُونَ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ مِنْ الشُّبُهَاتِ النَّاشِئَةِ مِنْ الْمَكَاسِبِ الْخَبِيثَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّمَا حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ وَصْفِ الْخَبَثِ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ لَنَا طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يُذَكُّوهُ التَّذْكِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَوْ يُسَمُّوا عَلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ وَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ سَمَّوْا عَلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ حُرِّمَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute