وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا الدَّمَ الْمَسْفُوحَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} فَإِذَا عُفِيَ عَنْ الدَّمِ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّمِ: عُلِمَ أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - فَرَّقَ بَيْنَ الدَّمِ الَّذِي يَسِيلُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَضَعُونَ اللَّحْمَ فِي الْمَرَقِ وَخُطُوطُ الدَّمِ فِي الْقُدُورِ بَيِّنٌ وَيَأْكُلُونَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ وَلَوْلَا هَذَا لَاسْتَخْرَجُوا الدَّمَ مِنْ الْعُرُوقِ كَمَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِسَبَبِ غَيْرِ جَارِحٍ مُحَدَّدٍ فَحَرَّمَ الْمُنْخَنِقَةَ وَالْمَوْقُوذَةَ وَالْمُتَرَدِّيَةَ وَالنَّطِيحَةَ {وَحَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صِيدَ بِعَرْضِ الْمِعْرَاضِ وَقَالَ: إنَّهُ وَقِيذٌ} دُونَ مَا صِيدَ بِحَدِّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ سَفْحُ الدَّمِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ التَّنْجِيسِ هُوَ احْتِقَانُ الدَّمِ وَاحْتِبَاسُهُ وَإِذَا سُفِحَ بِوَجْهِ خَبِيثٍ بِأَنْ يُذْكَرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ كَانَ الْخُبْثُ هُنَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَكُونُ تَارَةً لِوُجُودِ الدَّمِ وَتَارَةً لِفَسَادِ التَّذْكِيَةِ كَذَكَاةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالذَّكَاةِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْعَظْمُ وَالْقَرْنُ وَالظُّفْرُ وَالظِّلْفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ مَسْفُوحٌ فَلَا وَجْهَ لِتَنْجِيسِهِ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ قَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَمْتَشِطُونَ بِأَمْشَاطِ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute