للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ {لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ وَأَكَلَ وَهُوَ مُحْدِثٌ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: مَا أَرَدْت صَلَاةً فَأَتَوَضَّأَ} . يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ إلَّا إذَا أَرَادَ صَلَاةً وَأَنَّ وُضُوءَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {: مَا أَرَدْت صَلَاةً فَأَتَوَضَّأَ} لَيْسَ إنْكَارًا لِلْوُضُوءِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ لَكِنْ إنْكَارٌ لِإِيجَابِ الْوُضُوءِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ الْحَاضِرِينَ قَالَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ فَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ ظَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ لِلْأَكْلِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا أَرَدْت صَلَاةً فَأَتَوَضَّأَ} فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى: {الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرِ} قَدْ رَوَاهُ النَّسَائِي وَهُوَ يُرْوَى مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ لَا يُصَحِّحُونَهُ إلَّا مَوْقُوفًا وَيَجْعَلُونَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُثْبِتُونَ رَفْعَهُ وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الطَّوَافَ نَوْعٌ مِنْ الصَّلَاةِ: كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ؛ وَلَا أَنَّهُ مِثْلُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَإِنَّ الطَّوَافَ يُبَاحُ فِيهِ الْكَلَامُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا تَسْلِيمَ فِيهِ وَلَا يُبْطِلُهُ الضَّحِكُ وَالْقَهْقَهَةُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ الْجِنَازَةَ فِيهَا تَكْبِيرٌ وَتَسْلِيمٌ فَتُفْتَحُ بِالتَّكْبِيرِ وَتُخْتَمُ بِالتَّسْلِيمِ.