وَالطَّوَافُ أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ تَسْلِيمٌ لَكِنْ يُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا يُسْجَدُ لِلتِّلَاوَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَمُجَرَّدُ الِافْتِتَاحِ بِالتَّكْبِيرِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَتَحُ صَلَاةً. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءِ بِيَدِهِ وَكَبَّرَ} . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ: أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ؛ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. (وَأَمَّا الْحَائِضُ: فَقَدْ قِيلَ إنَّمَا مُنِعَتْ مِنْ الطَّوَافِ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ كَمَا تُمْنَعُ مِنْ الِاعْتِكَافِ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِهِ فَتُمْنَعُ مِنْهُ الْحَائِضُ مِنْ الطَّوَافِ وَغَيْرِ الطَّوَافِ. وَهَذَا مِنْ سِرِّ قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةً فِيهِ وَيَقُولُ إذَا طَافَتْ وَهِيَ حَائِضٌ عَصَتْ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ مَعَ الْحَيْضِ وَلَا يَجْعَلُ طَهَارَتَهَا لِلطَّوَافِ كَطِهَارَتِهَا لِلصَّلَاةِ بَلْ يَجْعَلُهُ مِنْ جِنْسِ مَنْعِهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ حَائِضٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ تُمْنَعْ الْحَائِضُ مِنْ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ} وَقَالَ لِعَائِشَةَ: {افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ} . وَلَمَّا قِيلَ لَهُ عَنْ صَفِيَّةَ: أَنَّهَا حَائِضٌ قَالَ: {أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ . قِيلَ لَهُ: إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ: فَلَا إذًا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute