وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقِيَاسَ: هَلْ هُوَ تَنْجِيسُ الْمَاءِ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ؟ أَوْ عَدَمُ تَنْجِيسِهِ حَتَّى تَظْهَرَ النَّجَاسَةُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ. فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: الْعَفْوُ عَمَّا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ: كَانَ لِلْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ حِفْظُهُ مِنْ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَالِبًا يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالْغُدْرَانِ وَالْآبَارِ؛ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي الْأَوَانِي وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجَارِي فَإِنَّ حِفْظَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ أَصْعَبُ مِنْ حِفْظِ الدَّائِمِ الْكَثِيرِ. وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي وَأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ حَتَّى تَظْهَرَ النَّجَاسَةُ كَانَ التَّطْهِيرُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْكَدَ فَإِنَّ الْقَلِيلَ الدَّائِمَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الْخَبَثَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ. وَأَمَّا الْجَارِي فَإِنَّهُ بِقُوَّةِ جَرَيَانِهِ يُحِيلُ الْخَبَثَ فَلَا يَحْمِلُهُ كَمَا لَا يَحْمِلُهُ الْكَثِيرُ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَهَذِهِ الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ فِي حَمَّامٍ إذَا خَالَطَهَا بَوْلٌ أَوْ قَيْءٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَانَتْ نَجَاسَةً قَدْ خَالَطَتْ مَاءً جَارِيًا فَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَالْكَلَامُ فِيمَا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ النَّجَاسَةُ. وَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَاءَ الْحَمَّامِ يُخَالِطُهُ السِّدْرُ والخطمي وَالتُّرَابُ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ وَالْأُشْنَانُ وَالصَّابُونُ وَالْحِنَّاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute