ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: يَتَيَمَّمُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَتَيَمَّمُ لِفِعْلِ كُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَا يَجْمَعُ بِهِ فَرْضَيْنِ. وَغَلَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ نَافِلَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْجُمْلَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. قَالُوا: لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَالْحُكْمُ الْمُقَيَّدُ بِالضَّرُورَةِ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِهَا فَإِذَا تَيَمَّمَ فِي وَقْتٍ يُسْتَغْنَى عَنْ التَّيَمُّمِ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ. قَالُوا: وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ وَكَانَ ظَاهِرُ الْخِطَابِ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ؛ لَكِنْ لَمَّا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءِ وَاحِدٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى ظَاهِرِ الْخِطَابِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِطَلَبِ الْمَاءِ عِنْد كُلِّ صَلَاةٍ وَذَلِكَ يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ. وَوَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ العاص وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ. وَلَنَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: أَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فأمسه بَشَرَتَك فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ} فَجَعَلَهُ مُطَهِّرًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ مُطْلَقًا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute