للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَأُمِرُوا بِذَلِكَ كَمَا أُمِرُوا بِكَسْرِ الْآنِيَةِ وَشَقِّ الظُّرُوفِ لِيَمْتَنِعُوا عَنْهَا. قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُنْسَخُ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَمْ يَرِدْ بَعْدَ هَذَا نَصٌّ يَنْسَخُهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَمِلُوا بِهَذَا. كَمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَأْكُلُوا خَلَّ خَمْرٍ إلَّا خَمْرًا بَدَأَ اللَّهُ بِفَسَادِهَا وَلَا جُنَاحَ عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ خَلِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ ". فَهَذَا عُمَرُ يَنْهَى عَنْ خَلِّ الْخَمْرِ الَّتِي قَصَدَ إفْسَادَهَا وَيَأْذَنُ فِيمَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا وَيُرَخِّصُ فِي اشْتِرَاءِ خَلِّ الْخَمْرِ. مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُفْسِدُونَ خَمْرَهُمْ وَإِنَّمَا يَتَخَلَّلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ. وَفِي قَوْلِ عُمَرَ حُجَّةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ الصَّحَابَةُ كَانُوا أَطْوَعَ النَّاسِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِهَذَا لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْخَمْرُ أَرَاقُوهَا فَإِذَا كَانُوا مَعَ هَذَا قَدْ نُهُوا عَنْ تَخْلِيلِهَا وَأُمِرُوا بِإِرَاقَتِهَا فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ أَوْلَى مِنْهُمْ بِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَقَلُّ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُمْ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَلَّظَ عَلَى النَّاسِ الْعُقُوبَةَ فِي شُرْبِ