جَامِدًا أَوْ مَائِعًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا تُلْقَى وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَيُؤْكَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: {أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ} فَالزُّهْرِيُّ الَّذِي مَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ قَدْ أَفْتَى فِي الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ بِأَنْ تُلْقَى الْفَأْرَةُ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَيُؤْكَلَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ عَنْهُ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فَقَدْ غَلِطَ. وَأَيْضًا فَالْجُمُودُ والميعان أَمْرٌ لَا يَنْضَبِطُ بَلْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ هَلْ تَلْحَقُ بِالْجَامِدِ أَوْ الْمَائِعِ. وَالشَّارِعُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إلَّا بِفَصْلِ مُبَيِّنٍ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} . وَالْمُحَرَّمَاتُ مِمَّا يَتَّقُونَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ الْمُحَرَّمَاتِ بَيَانًا فَاصِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَلَالِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} . وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَتْ الْخَمْرُ الَّتِي هِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا حَلَّتْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَغَيْرُهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ أَوْلَى أَنْ تَطْهُرَ بِالِانْقِلَابِ وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ قَطْرَةَ خَمْرٍ وَقَعَتْ فِي خَلِّ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَاسْتَحَالَتْ كَانَتْ أَوْلَى بِالطَّهَارَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْخَمْرُ لَمَّا نَجُسَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ طَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ؛ بِخِلَافِ غَيْرِهَا؟ وَالْخَمْرُ إذَا قُصِدَ تَخْلِيلُهَا لَمْ تَطْهُرْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute