وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ} وَلَمْ يَقُلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ؛ بَلْ هَذَا بَاطِلٌ. فَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا لِيُبَيِّنَ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ رَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا التَّفْصِيلَ فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَجَابَ بِالْعُمُومِ فِي الْجَامِدِ وَالذَّائِبِ مُسْتَدِلًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ لَا سِيَّمَا وَالسَّمْنُ بِالْحِجَازِ يَكُونُ ذَائِبًا أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ جَامِدًا؛ بَلْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَكُونُ بِالْحِجَازِ جَامِدًا بِحَالِ. فَإِطْلَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَوَابَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ يُوجِبُ الْعُمُومَ إذْ السُّؤَالُ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ وَتَرْكُ الاستفصال فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ. هَذَا إذَا كَانَ السَّمْنُ بِالْحِجَازِ يَكُونُ جَامِدًا وَيَكُونُ ذَائِبًا فَأَمَّا إنْ كَانَ وُجُودُ الْجَامِدِ نَادِرًا أَوْ مَعْدُومًا كَانَ الْحَدِيثُ نَصًّا فِي أَنَّ السَّمْنَ الذَّائِبَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ فَإِنَّهَا تُلْقَى وَمَا حَوْلَهَا وَيُؤْكَلُ. وَبِذَلِكَ أَجَابَ الزُّهْرِيُّ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ قَلِيلُهُ وَلَا كَثِيرُهُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَائِلِ الصَّحِيحِ: التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعَاتِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَدَلَائِلِهَا وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute