فَإِنَّ عَامَّةَ الْقَائِلِينَ بِنَجَاسَتِهِ لَا يُجَوِّزُونَ مَسْحَ رَطْبِهِ. الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَوَّلِينَا بِمَا رَوَاهُ إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ: إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ وَإِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةِ أَوْ بإذخرة} . قَالَ الدارقطني: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ. قَالُوا: وَهَذَا لَا يَقْدَحُ؛ لِأَنَّ إسْحَاقَ بْنَ يُوسُفَ الْأَزْرَقَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ. وَرَوَى عَنْ سُفْيَانَ وَشَرِيكٍ وَغَيْرِهِمَا وَحَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ وَمِنْ فِي طَبَقَتِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ فَيُقْبَلُ رَفْعُهُ وَمَا يَنْفَرِدُ بِهِ. وَأَنَا أَقُولُ: أَمَّا هَذِهِ الْفُتْيَا فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَبْلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُمَا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي كُتُبِهِمْ. وَأَمَّا رَفْعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُنْكَرٌ بَاطِلٌ لَا أَصْل لَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ شَرِيكٍ مَوْقُوفًا. ثُمَّ شَرِيكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - لَيْسَا فِي الْحِفْظِ بِذَاكَ وَاَلَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ بِعَطَاءِ مَثَلُ ابْنِ جريج الَّذِي هُوَ أَثْبَتُ فِيهِ مِنْ الْقُطْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَكِّيِّينَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا مَوْقُوفًا وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى وَهْمِ تِلْكَ الرُّوَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute