للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْخَمْرَ إذَا بَدَأَ اللَّهُ بِإِفْسَادِهَا وَتَحْوِيلِهَا خَلًّا طَهُرَتْ وَكَذَلِكَ تَحْوِيلُ الدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ بَلْ أَقُولُ: الِاسْتِقْرَاءُ دَلَّنَا أَنَّ كُلَّ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِتَحْوِيلِهِ وَتَبْدِيلِهِ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ مِثْلُ جَعْلِ الْخَمْرِ خَلًّا وَالدَّمِ مَنِيًّا وَالْعَلَقَةِ مُضْغَةً وَلَحْمِ الْجَلَّالَةِ الْخَبِيثِ طَيِّبًا وَكَذَلِكَ بَيْضُهَا وَلَبَنُهَا وَالزَّرْعُ الْمَسْقِيُّ بِالنَّجِسِ إذَا سُقِيَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَزُولُ حُكْمُ التَّنْجِيسِ وَيَزُولُ حَقِيقَةُ النَّجِسِ وَاسْمُهُ التَّابِعُ لِلْحَقِيقَةِ وَهَذَا ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحَوِّلُهَا مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَيُبَدِّلُهَا خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مَوَادِّهَا وَعَنَاصِرِهَا. وَأَمَّا مَا اسْتَحَالَ بِسَبَبِ كَسْبِ الْإِنْسَانِ كَإِحْرَاقِ الرَّوْثِ حَتَّى يَصِيرَ رَمَادًا وَوَضْعِ الْخِنْزِيرِ فِي الْمَلَّاحَةِ حَتَّى يَصِيرَ مِلْحًا فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ. وَلِلْقَوْلِ بِالتَّطْهِيرِ اتِّجَاهٌ وَظُهُورُ وَمَسْأَلَتِنَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. الدَّلِيلُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَنِيَّ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ فِي خَلْقِهِ فَإِنَّهُ غَلِيظٌ وَتِلْكَ رَقِيقَةٌ. وَفِي لَوْنِهِ فَإِنَّهُ أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ. وَفِي رِيحِهِ فَإِنَّهُ طَيِّبٌ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ وَتِلْكَ خَبِيثَةٌ. ثُمَّ جَعَلَهُ اللَّهُ أَصْلًا لِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَالْإِنْسَانِ الْمُكَرَّمِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَصْلُهُ نَجِسًا وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ نَاظَرَ بَعْضَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ